لعل من أصعب المواقف التي يتعرض لها المدرس في حياته المهنية حين يضطر للتعامل مع آباء و أولياء أمور غاضبين من تصرفات طالت أبناءهم قد يكون مصدرها المدرس نفسه. أغلب هذه الظنون تكون مبنية على أسس باطلة سببها معلومات مغلوطة عن وقائع داخل الفصل أو حساسية مفرطة لأبناء مدللين في البيت. التعامل مع اتهامات الآباء في هذه الحالة قد يشكل صعوبات لبعض المعلمين خصوصا عندما تتسع رقعة النزاعات و الخلافات لتتخذ أبعادا قانونية أو على الأقل تستدعي تدخلا من الإدارة المدرسية التي تجد نفسها بين المطرقة و السندان، تلك الوضعية التي قد تؤجج صراعات داخلية أخرى لا تزيد الطين إلا بلة.
معظم المشاكل قد تبدأ من أشياء تافهة جدا سببها صراعات عادية بين المتعلمين أو طلاب مدللين جدا من ذويهم أو آخرين لايعيرون اهتماما للدراسة فتكون ردة فعلهم غير مناسبة تستوجب حضور أولياء الأمور الذين يلقون باللوم على المدرس في محاولة لإقناع أنفسهم أنهم ليسوا الوحيدين من يقف وراء التعثر الدراسي لأبنائهم.
التحدي يكمن إذن في كيفية التعامل مع هذه الوضعيات و تطويعها أو توجيهها بشكل تفرض معه احتراما لشخصك و تضمن به تواصلا ايجابيا مع الآباء و أولياء الأمور بما يخدم مصلحة الطلاب. هذه النصائح ستساعدك لا محالة في ذلك خصوصا أنها نابعة من تجارب شخصية أو سابقة لمدرسين تعاملت معهم و آخرين من ذوي الخبرة في الميدان.
1- الإنصات و عدم التسرع
اترك الآباء يعبرون عما يؤرقهم و يشرحون وجهة نظرهم عندما يتحدثون عن مشاكل أبنائهم دون أن تقاطعهم ولو كانوا يدلون باتهامات زائفة. حافظ على هدوئك و لا تتسرع في الرد محاولة منك إقناعهم بأشياء هم غير مستعدين بعد لسماعها، لأنك قد تزيد الأمر تعقيدا و تجعل نفسك في محل دفاع عن النفس وهي وضعية يجب عليك تفاديها في كل الأحوال.
2- الخطاب المناسب
كل موقف له خصوصياته وكل ولي أمر له مرجعيته السوسيوثقافية و حالته النفسية التي قد تجعله غير متحكم فيما قد يقوله. كن واعيا بهذه الأمور و استخدم طريقة مناسبة كل مرة للتعامل مع الشخص الذي أمامك. مستوى خطابك يجب أن يتوافق و الجو العام للحوار. تارة سيكون عليك التبسيط و جبر الخواطر و تارة أخرى ماعليك إلا أن تكون صارما و ماسكا بزمام الأمور خصوصا إذا كان ولي الأمر مصرا على التصعيد و غير منطقي في ادعاءاته إلى أبعد الحدود التي قد تؤدي به إلى العنف اللفظي أو الجسدي.
3- افرض شخصيتك
كيفما كان الأمر، تبقى أنت المعلم و المربي الذي تهمه مصلحة الطالب مثلك مثل أبويه. وهذا كفيل بأن تتحكم في أعصابك و تثق بنفسك و بقدرتك على تسيير النقاش و توجيهه إلى ما تريده طالما أنك لم تفعل شيئا مخالفا لضميرك المهني و القانون أيضا. لا تدع مجالا للشخص الذي أمامك ليشك في قوة شخصيتك و قدرتك على تحمل مسؤوليتك تجاه طلابك.
4- اطلب المساعدة
يستحسن حضور طرف ثالث غيرك وغير ولي أمر الطالب، لتهدئة الأمور عند الضرورة و لكي يكون شاهدا إذا ما تعقدت الخلافات إلى ما لا تحمد عقباه. أحد زملائك أو إطار من الإدارة المدرسية كفيل بأداء هذه المهمة، شرط أن يكون هناك تفاهم و تنسيق بينكما حول طريقة الفصل في الصراع و تجنب كل ما يمكنه التأثير على المسار الدراسي للطالب المعني.
5- الوثائق و الحجج
عندما يكون الخلاف متعلقا بنتائج المتعلم الدراسية، استعن بالوثائق اللازمة و شهادات زملائك حتى يكون ولي الأمر على بينة من مستوى الطالب و طبيعة تعثراته و مكامن ضعفه و يركز على مناقشة الأسباب بدل التركيز على النتائج. في بعض الحالات يكون الطالب مصدر تشويش داخل الفصل و يحدث أن ينكر الأب أو الأم ذلك عن ابنه، لا بأس في أن تستعين بشهادة الطلاب داخل الفصل إذا اقتضى الأمر ذلك خصوصا عند تعقد الأمور و استمرار أولياء الأمور في توجيه الاهتمامات الزائفة و الادعاءات المغرضة.
6- التنسيق مع الزملاء و الإدارة
قد يحتم عليك تعقد بعد الخلافات مع آباء و أولياء التلاميذ، التنسيق مع زملائك و الإدارة و الترتيب مسبقا لمجريات الحوار و طريقة التواصل مع أولياء الأمور و كيفية التعامل مع تجاوزاتهم و اتهاماتهم بطريقة تربوية عقلانية تخدم مصلحة الطلاب في المقام الأول.
7- مصلحة الطالب فوق الجميع
استحضر مصلحة الطالب أثناء مراحل النقاش مع ولي أمره، و اجعله يستوعب أن مستقبل الطلاب كلهم هو همك الأكبر و لن تكون أنت العقبة أمام مسارهم التعليمي. حاول استدراج الآباء و أولياء الأمور إلى الاعتراف بأنك كمدرس مسؤول أيضا عن تحسين سلوك أبنائهم و ضبطهم و تغيير حياتهم إلى الأفضل.
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن المعلم كائن منزه عن الخطأ، لا يتحمل أي مسؤولية فيما قد يحدث داخل الفصل. لن يكون ذلك منطقيا ولا واقعيا بالمرة. في هذا الصدد، يستحسن الابتعاد عن كل مظاهر العنف و الاحتقار و ما من شأنه إهانة الطلاب، و الأجدر بنا كمدرسين توفير بيئة آمنة لهم تساعدهم على تجاوز المشاكل النفسية التي قد تسببها خلافات داخل الأسرة أو صعوبات متعلقة بالتعلم.